رواية رحلة الشتاء و الصيف الحلقة : الحلقة الرابعة - عن أي شيء سأحدثكم؟؟؟
عن هامشية المدينة؟ أم شبقية القاطنين و الزائرين؟ أم لوحات البؤس في كل مكان ؟عن البطالة ،والفقر واليأس والتسول، عن ماذا إذن؟ مدينة يقطنها أكثر من إحدى
عشر ألف نسمة؛تشبه في مظهرها وجوها وتذكرني مدينة أزيلال، إنها مدن أطلسية يحتويها التهميش لا غيره...هذه المدينة /القرية كانت بلدية وتحولت بقدرة قادرـ كما
قيل لي ـ إلى جماعة محلية فقط... تفتقر إلى مراكز أمنية من درك و شرطة.. تفتقر إلى كل شيء.. أزقة وشوارع مظلمة..والحفر تملأ الطرقات، الجهل و
التخلف؛يضربان بتغلغل حتى الأعماق في كل المدينة..خلا المعمل الوحيد للأجورالذي لا يعدو كونه المتنفس الوحيد لجيش العطالة.. في جو قائض لأيت إسحاق ،حرارة
مفرطة،تقع على ربوة عالية جرداء من الخضرة التي لفتت نظري في ما زرته من قبل..مناخها قاري..قمة الحرارة صيفا و قساوة البرودة شتاء..لقد وصلت هذه المدينة
و الوقت أصيل، ذهبت أسأل عن عائلة عمي؛ سروا لرؤيتي؛ ورحبوا بي كثيرا..لم يكن أحد ينتظر مجيئي،ارتشفت وإياهم كؤوس شاي منعنع،ثم خرجت أستطلع
المكان،بعدما مشيت كثيرا جلست بالمقهى.. ولمحت الكآبة تلوح في كل الوجوه.. ليس ثمة شيء يمكن لهم القيام به، سوى اجترار مرارة الوقت البطيء.. أكثر تعاسة
هؤلاء النسوة؛ ملتحفات في أزر عاريات السيقان؛ أعين مثقلة بالكحل والحرمان.. إن الذي يجوب الشارع الوحيد في المدينة يصعب عليه التمييز بين العفيفات
والشريفات.. فكل الأمكنة تعج ببنات الرصيف..هن القادمات من كل فجاج الأطلس..هن اللاهثات وراء طنين الأموال..هن العناكب على الأبواب.. يستعددن لاقتناص
الذباب..هن القادرات على قطع كل الدروب بمشيتهن المشحونة بكل استهامات الجسد و العشق..هذه الزاوية لا تحترم موتاها ولا الأحياء...القبر الذي يلتف حوله
السكان..زاوية تضرب بجذورها في عمق التاريخ..وغير بعيد تتراءى بقية أطلال الزاوية الدلا ئية؛ ،التي أسسها أبو بكر الدلائي خلال القرن السادس عشر الميلادي
إبان حكم الدولة السعدية،كمركز ديني وعلمي،غير أن الزائر يصدمه مآل الزاوية التي تحولت إلى أطلال ينعق فيها البوم،ويتغوط فيها الرعاة،وتعبث أيادي الفساد
تخريبا وهدما،تركتها مصدوما تصارع الزمن،تعد أنفاسها الأخيرة تحتضر ، قضيت بأيت اسحاق ليلتين تحت إلحاح العائلة، أحسست باختناق يحتويني، كانت تصر على
إبقائي و أصر على فراري..وتعالى إصراري على إصرارهم؛ وصرت إلى حيث أريد..بعدما ودعت العائلة ؛عائلة أبي وناشدوني بالرجوع مرات عديدة..قلت: سأعود
وعليكم انتم زيارتنا..حملت حقيبتي..وودعت الجميع،وخرجت من الزاوية كالخارج من ضريح بعد أن شفي للتو...
لم أكن قد سمعت من ذي قبل عن تغسّالين كشيء ذي أهمية..هذا الممر/الوكر القابع بين جبال الأطلس،على بعد كيلومترات من مدينة خنيفرة، تغسّالين ليست سوى محطة
للجنس وبؤرة لامتصاص الجيوب؛ للمارين من هنا ..والفارين إلى هنا..الذين تحملهم زبانية المتعة؛ وشبقية الذات؛العارضين لفحولة متوهمة؛ النادمين على متعة عابرة
زائلة،هؤلاء المومسات اللائي يملأن كل الأمكنة؛ مصطفات على الطرقات..يقنصن المهووسين برؤى تدعوهم نحو الأعماق..أعماق الهيامات ،حيث وحش الإفلاس
القابع في انتظارهم..لقد استفزتني عدة أشعة فوق أخلاقية اخترقتني..فيها ترحاب وفيها انتشال..كنت أتابع ما يجري كالأبله..لقد سمعت و حكي لي عن طابور
المغفّلين،الذين استسلموا لشبقية التفاف الساق بالساق ،ودارت عليهم الدوائر ولم يدروا أين المساق؟جاءوا إلى الرصيف لبيع ما تبقى لهم من ملابس..كيما يتدبروا نفقات
سفر الهروب؛ للعودة إلى ذويهم؛ عصفورا كنت أرتعد من رؤية الفخاخ؛ فخاخ متعة تنهار بك إلى قرار الندم والسخط والتبرم...لقد استيقظت في نزعة ما وقلت لنفسي:
ما دهاك؟هل أنت مجنونة ؟ تعالي نتناول غذاءنا أولا،ونرتاح قليلا،ونتفق على مواصلة الرحلة،لا تكدري صفوي أرجوك،فليس لي في وحدتي وتجوالي غيرك،لنتريث
قليلا،ولأمتعنك حلالا ولو بعد حين...
تغسالين صباح يوم: 1996/8
ذ: الحسين العمراني
[email protected]
عن هامشية المدينة؟ أم شبقية القاطنين و الزائرين؟ أم لوحات البؤس في كل مكان ؟عن البطالة ،والفقر واليأس والتسول، عن ماذا إذن؟ مدينة يقطنها أكثر من إحدى
عشر ألف نسمة؛تشبه في مظهرها وجوها وتذكرني مدينة أزيلال، إنها مدن أطلسية يحتويها التهميش لا غيره...هذه المدينة /القرية كانت بلدية وتحولت بقدرة قادرـ كما
قيل لي ـ إلى جماعة محلية فقط... تفتقر إلى مراكز أمنية من درك و شرطة.. تفتقر إلى كل شيء.. أزقة وشوارع مظلمة..والحفر تملأ الطرقات، الجهل و
التخلف؛يضربان بتغلغل حتى الأعماق في كل المدينة..خلا المعمل الوحيد للأجورالذي لا يعدو كونه المتنفس الوحيد لجيش العطالة.. في جو قائض لأيت إسحاق ،حرارة
مفرطة،تقع على ربوة عالية جرداء من الخضرة التي لفتت نظري في ما زرته من قبل..مناخها قاري..قمة الحرارة صيفا و قساوة البرودة شتاء..لقد وصلت هذه المدينة
و الوقت أصيل، ذهبت أسأل عن عائلة عمي؛ سروا لرؤيتي؛ ورحبوا بي كثيرا..لم يكن أحد ينتظر مجيئي،ارتشفت وإياهم كؤوس شاي منعنع،ثم خرجت أستطلع
المكان،بعدما مشيت كثيرا جلست بالمقهى.. ولمحت الكآبة تلوح في كل الوجوه.. ليس ثمة شيء يمكن لهم القيام به، سوى اجترار مرارة الوقت البطيء.. أكثر تعاسة
هؤلاء النسوة؛ ملتحفات في أزر عاريات السيقان؛ أعين مثقلة بالكحل والحرمان.. إن الذي يجوب الشارع الوحيد في المدينة يصعب عليه التمييز بين العفيفات
والشريفات.. فكل الأمكنة تعج ببنات الرصيف..هن القادمات من كل فجاج الأطلس..هن اللاهثات وراء طنين الأموال..هن العناكب على الأبواب.. يستعددن لاقتناص
الذباب..هن القادرات على قطع كل الدروب بمشيتهن المشحونة بكل استهامات الجسد و العشق..هذه الزاوية لا تحترم موتاها ولا الأحياء...القبر الذي يلتف حوله
السكان..زاوية تضرب بجذورها في عمق التاريخ..وغير بعيد تتراءى بقية أطلال الزاوية الدلا ئية؛ ،التي أسسها أبو بكر الدلائي خلال القرن السادس عشر الميلادي
إبان حكم الدولة السعدية،كمركز ديني وعلمي،غير أن الزائر يصدمه مآل الزاوية التي تحولت إلى أطلال ينعق فيها البوم،ويتغوط فيها الرعاة،وتعبث أيادي الفساد
تخريبا وهدما،تركتها مصدوما تصارع الزمن،تعد أنفاسها الأخيرة تحتضر ، قضيت بأيت اسحاق ليلتين تحت إلحاح العائلة، أحسست باختناق يحتويني، كانت تصر على
إبقائي و أصر على فراري..وتعالى إصراري على إصرارهم؛ وصرت إلى حيث أريد..بعدما ودعت العائلة ؛عائلة أبي وناشدوني بالرجوع مرات عديدة..قلت: سأعود
وعليكم انتم زيارتنا..حملت حقيبتي..وودعت الجميع،وخرجت من الزاوية كالخارج من ضريح بعد أن شفي للتو...
لم أكن قد سمعت من ذي قبل عن تغسّالين كشيء ذي أهمية..هذا الممر/الوكر القابع بين جبال الأطلس،على بعد كيلومترات من مدينة خنيفرة، تغسّالين ليست سوى محطة
للجنس وبؤرة لامتصاص الجيوب؛ للمارين من هنا ..والفارين إلى هنا..الذين تحملهم زبانية المتعة؛ وشبقية الذات؛العارضين لفحولة متوهمة؛ النادمين على متعة عابرة
زائلة،هؤلاء المومسات اللائي يملأن كل الأمكنة؛ مصطفات على الطرقات..يقنصن المهووسين برؤى تدعوهم نحو الأعماق..أعماق الهيامات ،حيث وحش الإفلاس
القابع في انتظارهم..لقد استفزتني عدة أشعة فوق أخلاقية اخترقتني..فيها ترحاب وفيها انتشال..كنت أتابع ما يجري كالأبله..لقد سمعت و حكي لي عن طابور
المغفّلين،الذين استسلموا لشبقية التفاف الساق بالساق ،ودارت عليهم الدوائر ولم يدروا أين المساق؟جاءوا إلى الرصيف لبيع ما تبقى لهم من ملابس..كيما يتدبروا نفقات
سفر الهروب؛ للعودة إلى ذويهم؛ عصفورا كنت أرتعد من رؤية الفخاخ؛ فخاخ متعة تنهار بك إلى قرار الندم والسخط والتبرم...لقد استيقظت في نزعة ما وقلت لنفسي:
ما دهاك؟هل أنت مجنونة ؟ تعالي نتناول غذاءنا أولا،ونرتاح قليلا،ونتفق على مواصلة الرحلة،لا تكدري صفوي أرجوك،فليس لي في وحدتي وتجوالي غيرك،لنتريث
قليلا،ولأمتعنك حلالا ولو بعد حين...
تغسالين صباح يوم: 1996/8
ذ: الحسين العمراني
[email protected]